نقص المغنيسيوم عند الأطفال: الأسباب، الأعراض، التشخيص، الوقاية والعلاج

يُعدّ المغنيسيوم أحد المعادن الأساسية الضرورية لصحة الإنسان، ويكتسب أهميته الحيوية من مشاركته الفعّالة في أكثر من 300 تفاعل إنزيمي في الجسم، تشمل وظائف الأعصاب والعضلات، إنتاج الطاقة، تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، وتكوين العظام والأسنان. وبالنسبة للأطفال، فإن توفر المغنيسيوم بكميات كافية يعتبر أمرًا بالغ الأهمية لدعم نموهم السليم، وتطورهم العصبي والعضلي، والحفاظ على توازنهم الغذائي والهرموني. ومع ذلك، فإن نقص المغنيسيوم عند الأطفال يعدّ من الحالات الشائعة التي قد تمر دون تشخيص دقيق، نظراً لتداخل أعراضه مع حالات صحية أخرى وعدم وعي الأهل بأهميته.

أهمية المغنيسيوم في جسم الطفل

يلعب المغنيسيوم دورًا بيولوجيًا رئيسيًا في دعم عدد كبير من العمليات الفسيولوجية لدى الأطفال، ومن أبرز وظائفه ما يلي:

• دعم الجهاز العصبي: يساهم المغنيسيوم في تنظيم نشاط الخلايا العصبية ونقل الإشارات الكهربائية بين الخلايا، مما يساعد في استقرار الحالة المزاجية والنفسية.

• المشاركة في إنتاج الطاقة: يدخل المغنيسيوم في عمليات التمثيل الغذائي لإنتاج مركب الأدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP)، الذي يُعد مصدر الطاقة الأساسي للخلايا.

• المساهمة في بناء العظام والأسنان: يعمل المغنيسيوم إلى جانب الكالسيوم وفيتامين D في دعم الكتلة العظمية ونمو الأسنان.

• تنظيم ضغط الدم: يساهم في تنظيم مستويات الضغط الدموي من خلال تأثيره على العضلات الملساء للأوعية الدموية.

• المساعدة في تكوين البروتينات: يشارك في تصنيع البروتينات الضرورية لنمو العضلات والأنسجة الأخرى.

أسباب نقص المغنيسيوم عند الأطفال

يمكن أن ينجم نقص المغنيسيوم عن عوامل غذائية أو مرضية أو بيئية، ومن أبرز هذه الأسباب:

1. نقص المدخول الغذائي

يُعدّ من الأسباب الأكثر شيوعًا، حيث يؤدي تناول الأطفال لأطعمة فقيرة بالمغنيسيوم، مثل الأغذية المصنعة والوجبات السريعة، إلى نقصه تدريجيًا، خاصة مع ندرة تناول الحبوب الكاملة، والخضروات الورقية، والمكسرات.

2. سوء الامتصاص المعوي

بعض الأطفال يعانون من اضطرابات في الجهاز الهضمي تؤثر على امتصاص المعادن، مثل:

• الداء الزلاقي (حساسية الغلوتين)

• متلازمة الأمعاء القصيرة

• مرض كرون

• التليف الكيسي

3. الإسهال المزمن أو التقيؤ

فقدان السوائل بشكل مستمر يؤدي إلى استنزاف المعادن من الجسم، لا سيما المغنيسيوم، نتيجة إخراجه عن طريق الجهاز الهضمي بكميات كبيرة.

4. السكري غير المشخص أو غير المعالج

يفقد الجسم كمية كبيرة من المغنيسيوم في البول نتيجة ارتفاع مستويات السكر في الدم، وهي حالة شائعة في داء السكري النوع الأول عند الأطفال.

5. الضغط النفسي والتوتر المزمن

الضغوط النفسية المزمنة تحفز إطلاق هرمونات الإجهاد مثل الكورتيزول، التي تؤدي بدورها إلى زيادة استهلاك الجسم للمغنيسيوم وانخفاض مستوياته.

6. تناول بعض الأدوية

تؤثر بعض الأدوية سلبًا على مستوى المغنيسيوم، ومن أهمها:

• مدرات البول (مثل الفوروسيميد)

• بعض المضادات الحيوية (مثل الجنتاميسين)

• الأدوية المضادة للفطريات

• مثبطات مضخة البروتون التي تُستخدم لعلاج الارتجاع المعدي المريئي

أعراض نقص المغنيسيوم عند الأطفال

تتفاوت أعراض نقص المغنيسيوم بحسب درجته ومدة النقص، وقد تتداخل مع أعراض نقص معادن أو فيتامينات أخرى. تشمل أبرز الأعراض ما يلي:

1. أعراض عصبية ونفسية

• فرط التهيج والانفعال السريع

• القلق أو الاكتئاب الطفولي

• ضعف التركيز والانتباه

• اضطرابات النوم والأرق

• الصداع المزمن

2. أعراض عضلية

• تقلصات عضلية لا إرادية، خاصة في الساقين

• تشنجات أو رعشات عضلية

• ضعف عام في العضلات

• تعب غير مبرر

3. أعراض هضمية

• غثيان متكرر أو قيء

• فقدان الشهية

• إمساك مزمن

4. أعراض أخرى

• هشاشة العظام في سن مبكرة

• اضطراب في معدل ضربات القلب

• تنميل أو وخز في الأطراف

• تأخر في النمو البدني أو العقلي

• زيادة في تسوس الأسنان

تشخيص نقص المغنيسيوم عند الأطفال

يعدّ التشخيص الدقيق لحالة نقص المغنيسيوم أمرًا معقدًا نسبيًا، إذ إن نحو 1% فقط من إجمالي المغنيسيوم في الجسم يكون في الدم، أما الباقي فيتوزع في العظام والأنسجة. لذلك، لا يعكس تحليل المغنيسيوم في الدم دائمًا الوضع الفعلي لمستويات المعدن في الجسم.

أهم طرق التشخيص:

الاحتياج اليومي من المغنيسيوم للأطفال

يعتمد الاحتياج اليومي على العمر والجنس والحالة الصحية، ويوضح الجدول التالي الكميات الموصى بها:

مصادر المغنيسيوم الغذائية

يمثل النظام الغذائي المتوازن أهم وسيلة للحصول على كميات كافية من المغنيسيوم، وتشمل أهم مصادره:

• الخضروات الورقية الداكنة: مثل السبانخ، البقدونس، السلق

• المكسرات والبذور: مثل اللوز، الكاجو، بذور دوار الشمس، بذور الشيا

• الحبوب الكاملة: مثل الشوفان، البرغل، القمح الكامل

• البقوليات: مثل الفاصوليا، العدس، الحمص

• الكاكاو الخام والشوكولاتة الداكنة

• الموز والأفوكادو

• منتجات الألبان (باعتدال)

• الأسماك مثل السردين والسلمون

مضاعفات نقص المغنيسيوم غير المعالج

في حال إهمال علاج نقص المغنيسيوم، فإن ذلك قد يؤدي إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد، خصوصاً في الأطفال الذين هم في طور النمو الجسدي والعقلي. ومن أبرز هذه المضاعفات:

• الاضطرابات العصبية المزمنة مثل الاكتئاب المزمن والقلق واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)

• ضعف التحصيل الدراسي بسبب تدهور القدرات المعرفية

• هشاشة العظام وزيادة خطر الكسور

• خلل في وظائف القلب واضطرابات النظم القلبية

• انخفاض مقاومة الجسم للعدوى

• زيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم في المستقبل

العلاج والوقاية

يتطلب علاج نقص المغنيسيوم استراتيجية مزدوجة تشمل تعديل النظام الغذائي واستخدام المكملات عند الحاجة، وذلك تحت إشراف طبي دقيق.

1. تعديل النظام الغذائي

ينبغي تشجيع الأطفال على تناول أطعمة غنية بالمغنيسيوم بانتظام، مع تقليل الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة.

2. المكملات الغذائية

في الحالات المتوسطة إلى الشديدة من النقص، قد يصف الطبيب مكملات المغنيسيوم على شكل:

• أكسيد المغنيسيوم

• سترات المغنيسيوم

• لاكتات المغنيسيوم

يجب الالتزام بالجرعات المحددة بدقة لتجنب حدوث تسمم بالمغنيسيوم.

3. علاج السبب الأساسي

في حال وجود أمراض مزمنة مثل سوء الامتصاص أو السكري، يجب علاجها لضمان فعالية العلاج.

4. المتابعة الدورية

ينبغي مراقبة مستوى المغنيسيوم في الجسم بانتظام خاصة لدى الأطفال المعرضين للنقص.

الفئات الأكثر عرضة للإصابة

• الأطفال الذين يعانون من اضطرابات الجهاز الهضمي

• المصابون بمرض السكري

• الأطفال الذين يتناولون أدوية مدرة للبول أو مضادات الحموضة بشكل مزمن

• من يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية

• الأطفال الذين يعتمدون على نظام غذائي فقير بالمعادن

دور التثقيف الصحي في الوقاية

يمثل التثقيف الغذائي للأهل عنصراً جوهريًا في الوقاية من نقص المغنيسيوم، ويشمل ذلك:

• تشجيع إعداد الوجبات المنزلية الغنية بالعناصر الغذائية

• تقديم بدائل صحية للوجبات السريعة

• توعية الأهل حول أهمية المعادن في مراحل الطفولة

• متابعة النمو العقلي والجسدي للأطفال باستمرار

الخلاصة

نقص المغنيسيوم عند الأطفال يمثل تحديًا صحياً دقيقًا قد لا يتم الانتباه إليه في المراحل الأولى، لكنه يحمل تأثيرات بالغة على النمو العصبي والعضلي، وكذلك على الصحة النفسية والمناعية للطفل. إدراك الوالدين والممارسين الصحيين لأهمية هذا المعدن وضرورة الحفاظ على مستوياته الطبيعية من خلال تغذية سليمة وفحوصات دورية هو المفتاح الأساسي للحماية من تداعيات هذا النقص الصامت.

المراجع:

1. National Institutes of Health (NIH) – Magnesium Fact Sheet for Health Professionals
   
   https://ods.od.nih.gov/factsheets/Magnesium-HealthProfessional/

2. World Health Organization – Micronutrient Deficiencies
   
   https://www.who.int/health-topics/micronutrients